16 يونيو 2009

1 - فهمنا النقد فهماً بسيطاً باعتباره خطاباً تصحيحياً تقويمياً فالإنسان بطبيعته ميالاً للمعارضة والتوجيه والتصريح بآرائه في شتى القضايا ،أما إذا وسعنا رؤيتنا للنقد باعتباره استنطاقاً لمفردات الجمال في النص والبحث في تفاصيلها ومفاصل العلاقة بينها فالشاعر والفنان أقرب إلى رصد هذه المفردات طالما كان منشغلاً ومشغولاً وشغوفاً بها . وقراءتي لمجموعة(الممثل) للقاصة (أزهار أحمد ) نموذج تطبيقي لفكرة (شد وتر النص إلى أقصى ما يحتمل ) وذلك بأن يُعمل القارئ أدواته الثقافية ليصنع مما يبدو بسيطاً وعادياً عملاً مركباً يعكس وعي الناقد بقيمة اللغة وعلاقتها أكثر مما يكشف براعة الكاتب . س:عفواً ولكن هل ينفصل النص عن كاتبة ؟ ج: على الإطلاق ..لكن اللغة قابلة بأن تفعل، بمعنى أن النص كسطح أفقي ينتمى للكاتب، ولكن العلاقات اللغوية : الدلالية /الصوتية/الرمزية لا تنتمي للكاتب بشكل مباشر فهي في تصوري أقرب إلى القارئ /الناقد الذي يعيد صياغة النص وفق وعيه بانزياحات اللغة . 2- حتى أكون منصفاً شخصياً لم أقف على تقصي هذه الظاهرة بشكل دقيق ولكن أظن (ولعلي لا آثم ) أن إقامة نسبة وتناسب بينما ينتج من إبداع يحتاج إلى توسيط نقدي وما يقابله من فعل النقد فإني أرى أن المشهد مرضٍ إلى حد كبير، ولكن الذي لفت انتباهي حقاً غياب النقد والمراجعة (بمفهومها البسيط) في كثير من المؤسسات الرسمية المنوط بها توفير الماد الخام للإبداع والثقافة تجد أن هذه المؤسسات تتكلس يوماً عن يوم بسبب تغييب دور النقد والمراجعة وهذا بدوره (ولا شك) سينعكس على مخرجاتها التي يفترض أن تمثل (عصب) الثقافة . فلا يمكن بحال من الأحوال أن ينفصل الموقف النقد الأدبي عن سياق التوجه النقدي العام في باقي نواحي المجتمع. 3- أنت ذكرت سلفاً أن النقد فن ، والفن هبة وذوق ، فلا ترجُ من الأكاديميين المفلسين ممن لا ذوق لديهم ولا هبة أن يسهم في حراك النقد ، وما أكثر الشخبطات التي تطالعنا أسبوعيا في أعمدة الملاحق الثقافية باسم النقد الأكاديمي ، ليس علينا إطلاقا أن نعوّل إلا على الإبداع النقدي كيفما أتفق أكاديميا أو غيرة،وكثيرة هي النماذج النقدية الناجحة التي لا تمتّ إلى فجاجة الأكاديميين بصلة . 4- لا ..لم تكن القصة هي الفن الأقرب إلى اشتغالي الأدبي، أنا (وأقولها بملء الفم ) شاعرمع سبق الإصرار والترصد، ولعله سيفاجئك قولي "أن القصة التي كتبتها وسببت لي كثيراً من المتاعب رغم أنها حازت على جائزة الملتقى الأدبي في صلالة تلك القصة هي يتيمة تجربتي السردية، ورغم هوسي بمتابعة الإنتاج القصصي والروائي إلا أنني أتهيب كتابتها ربما لأن ( الذي لدغه الثعبان يخاف من الحبل ). 5- (ما زال تسكنه الخيام ))،((طفولة حامضة )) وجهان لعملة بؤس واحدة الوجه الأول : يتحدث عن ضياع الفتى العربي الأسمر بين خرسانات الإسمنت وهو ينوء بأسباب الخيام متشرداً بين صدور الغواني في المراقص وقبور جداته الطيبات ، والوجه الآخر: هو إنكار للممارسات الشكلية في المجتمع التي تسلب البراءة من أطفال الليمونة ،الأطفال الذين تشردوا أيضاً بعد أن طاردتهم العجوز بمكنستها نحن أطفالك يا ليمونةً علمتنا كيف يروى الحبق كم ملأت النخل غيضاً ولكم بشذاك الحر غصّ الشفق 6- على كل حال فإن النصوص التفعيلية للرواد كانت تجاهر بالنفس الطويل كقصيدة (الكوليرا) (لنازك الملائكة)و (المومس العمياء)(حفار القبور) لبدر شاكر السياب. لكن يقيني أن النصوص الشعرية القصيرة بما تقدمه من تكثيف للصورة والدلالة لا تقل أهمية من مطولات الشعر بل أكاد أميل إلى أنها أنسب لروح العصر الذي ينحو للتسارع والحركة :إن كبسولة شعرية قد تغنيك عن وجبة شعرية دسمة إذا ما أدت نفس القيمة الغذائية النفسية والدلالية .. وفي كل خير. 7–8 - حتى لا أتهم بالتشاؤم علي أن أزعم أننا لسنا في آخر الصف ؛ وعلي أن أبحث عن تخريجة لهذا الرأي كأن أزعم أن هنالك أدباء متحققون في الساحة العربية محسوبون على الأدب العماني، لكني إذا تجاوزت هذا الزعم وذاك فعلي أن أستند على قولك (ساحتنا شابة ) لأجد بصيص أمل يتناسب مع خطاب التفاؤل الذي نحاصر به يومياً في قنوات الإعلام (الغراء) لأقول إن: (البركة في الشباب ). 9- على الأديب العماني أن يعرف قيمة نفسه وإبداعه فلا يرخّصها في سبيل منافع مادية تافهة :عليه أن يدافع عن حقوق مجتمعه وشعبة بالكلمة الحادة والموقف الصارم ، وأي تنازل منه في هذا الإطار هو نكوص في هذا المجتمع وتخلف في روحه . 10- الحقيقة أن تجربه النشر في بيروت عرّفت بي أكثر ويخجلني أن المجموعة التي نشرتها وزارة التراث بقية رهينة المخازن كما يؤسفني أن أقول لك أنه تم الاحتفاء بالمجموعة الأولى في :الشارقة،أبوظبي ،القاهرة، الاسكندرية وتونس بينما لم تحظ أي من المجموعتين بأي اهتمام في (مسقط الإبداع) ولا أدري هل بسبب افتقاري إلى العلاقات الوثيقة والوساطات القوية بمحركي الثقافة في عمان أم أن الطرح الجريء (ربما) أخجل النقاد العمانيين فأحجموا عن التعاطي معه أو لأن النقاد المرتزقة لم يتم تكلفيهم بذلك لا أدري.. ولا يهمني أن أدري، على أنه لا بد من شكر المبادرة الفردية من قبل المذيعة الشابة (سهى الرقيشي) على منحها بضع دقائق في برنامجها الثقافي للحديث عن طفولتي الحامضة . 11- لا أحب أن أنسف بكلمة واحدة جهود أصحاب النوايا الحسنة لقد كنا نأمل أن يكون عام مسقط عاصمة للثقافة العربية عاماً تأسيسياً لمشاريع وبرامج ثقافية لكنه لم يستطع التخلص من البريق الاستعراضي الآني الذي خفت مباشرة بعد نهاية العام . 12- بل قل لي ما الذي لا يؤلمك في هذا العالم المشوه المتداعي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق