28 مايو 2010

شَاعِـرٌ فِي حُطَامِ الدُّنَى إلى خميس قلم ذكرى ملتقى طلاّب الجامعات العربيّة بمصر سنة2000 واحتفاءً بصدور كتابه الشّعريّ "مازال تسكنه الخيام"
[1]

صديقي العمانيُّ
ـ ذاك الضّروريُّ جدًّا،
كخَرُّوبَةٍ في البوادي ـ يداهُ
احتراقُ الفراشاتِ في شَمْسِ
أوهامها الأبَدِيَّةِ. عيناهُ نافذتانِ
على الأُفُقِ الحُرِّ، يمتدُّ أَزْرَقَ،
فذًّا كخالقِهِ، مطلقًا كالضّياءِ...
أصابعُهُ شجرٌ غاضبٌ حولنا،
يَتَجَمْهَرُ في القحْطِ مشتعلاً
أَمَلاً
وأنينا...
وفي قلبه القُزَحِيِّ،
تَفَتَّحُ نافورةٌ للحياةِ...
[2]
صديقي العمانيُّ
ـ ذاك البدائيُّ كالزّعتَرِ الجَبَلِيِّ ـ يغنّي
شَريـــدا، ويهذي وَقُورًا هناك...
أراهُ رفيقًا جديرًا بأَنْ أكتوي
بِنُبُوَّتِهِ في الكتابِ الحميم...
وأن أتسمَّى بِهِ، في غيابي النّهائيِّ
عن زمني الدّمويِّ الرّجيم...
هُوَ الغامضُ الواضحُ المُسْتَبِدُّ
بفكرتهِ في التّرابِ...
هُوَ العربيُّ المُطارَدُ
في الأرضِ، مازال تَسْكُنُهُ
خيمةُ الكلماتِ...
[3]
صديقي العمانيُّ
ـ ذاك السّماويُّ مثل النّدى ـ
وجهُهُ الأسمَرُ المتفرِّدُ صرخَةُ زيتُونَةٍ
في الخلاء. وأشعاره خمرةُ الرَّفْضِ،
حمراءَ، تَرْمي بأعراقِهَا
في قَرارَة أعماقِنَا،
شهوةً فذّةً لا تُقال...
هو الرّعويُّ الضَّلُولُ،
يُلَبِّدُ أوهامَنا بالمدى، ويَمُرُّ
على تيه أشواقنا شاهقا، وعَصِيًّا
على الفهم جدّا، ومزدَحِمًا بالمعاني
كبيتٍ من الشّعرِ في وَطَنِ الظّلماتِ...
[4]
صديقي العمانيُّ
ـ ذاك الملاحقُ داخلَ
مملكةٍ من رمال وفوضى ـ تُحاصِرُهُ
الكرنفالاتُ، لكنّه مُفْرَدٌ. وخطاهُ امْتِدَادٌ
لموج البحار. وأحلامُهُ مزهريَّةُ سَيِّدَةٍ،
تعتني جيّدًا بالشّؤونِ الصّغيرَةِ
في بيتها. وملامِحُهُ، في بساطتها،
دُرْجُ طفلٍ خطيرِ يخبِّئُ فيه عوالِمَهُ
...............................
كان يكبر في جرحنا النّرجسيِّ،
كمعزوفةٍ من رَذَاذٍ تُطَهِّرُ أجسادنا
من رماد الدُّجَى. كان كالقُطْبِ،
في عهر أيّامنا، يتجلّى له اللَّهُ،
أبيضَ، أبيضَ، في الكائناتِ...
[5]
صديقي العمانيُّ
ـ ذاك الزّفافيُّ سِرًّا،
كأيقونةٍ في فضاءِ الكنيسةِ ـ يَسْرِقُ أوزانَهُ من غناء العصافير، مُوغِلَةً
في سماواتها، ومبلّلةً بغيوم ملذّاتِها
...............هكذا .............
............هكذا ................
كان ينظم أحزانَهُ في الدُّنَى، ذاهبا
كالدّراويش في رقصاتِ التّصوُّفِ،
محترقا بالنّشيدِ، كأنَّ بِهِ قَبَسًا
من ذهول. هُوَ النِّيتْشَوِيُّ،
وآياتُهُ العبقريّةُ في القَلْبِ،
أكبرُ من وَطَنِ الجَدْبِ
يمتدُّ أخرسَ كالجَمْرِ
أحمقَ كالقَهْرِ
حولَ صباحاته المُشْرِقاتِ...
[6]
صديقي العمانيُّ
ـ ذاك العنيد كصبَّارَةٍ
في المفَازَاتِ ـ يحرسُ شِعْرَ
امرئ القيس والمتنبّيَ من طائراتِ
الأباتشي ومن خطواتِ العساكِرِ
تسحق زهر المكان...
ويعرف كيف يُؤَسْطِرُ
وصفَ فراديسه في الحكايَةِ،
كيفَ يموتُ ليحيا
عميقا، ويَلْتَفُّ أزرَقَ
حول الكآبةِ ملتبسَ الرّغباتِ...
[7]
صديقي العمانيُّ
ـ ذاك المعذَّبُ في عصرِهِ ـ كان يأتي
إليه الصّعاليكُ من كلِّ صَوْبٍ،
ويحتكمونَ إلى رأيهِ في القصيدَةِ
من أشعرُ الشّعراء ؟
لهُ أن يجيزَ الضّروراتِ في موضِعٍ
دون آخرَ، أن يَتَخَيَّرَ أنبغَ أبياتِهِمْ،
ليعلّقَها فوق غيم المساءِ الحزينِ
جداريّةً للحنينِ
إلى شَالِ أنثى
إلى سنواتِ الهوى والجنونِ...
له أن يغنّي، ويبكي نَوًى
قَمْطَرِيرَ الأسى غارقا
في المتاهةِ كالصّلواتِ...
المكي الهمامي / توزر- الجنوب التّونسيّ / مارس2007