16 يونيو 2009

حوار مع خميس قلم خميس .. لجريدة الزمن

· سنبدأ من الاسم .. مالذي يعنيه لك هذا الترابط (المصادف) بين اسمك " قلم" والكتابة ؟
· خميس قلم خميس..لم أكن متآلفاً مع اسمي في البداية، لقد سبب لي مضايقات كثيرة خصوصاً في سنوات المراهقة ، وبعد أن وعيت إلى عمق الدلالة التي يختزنها اسمي واسم والدي وجدي ، شعرت بانتماء روحي للاسم ، خميس قلم خميس كأنك تشاهد لوحة لجيشين يصطرعان والقلم بينهما فيصلٌٌُُُ بلامه ،وحكيمٌ بميمه وقائد بقافه أنا فخور باسمي ، وأتمنى أن يكون لي منه نصيب، وفي أذن الجوزاء منه زمازم.
· هل البيئة والمحيط الأسري يساهمان في صنع شاعر أم ثمة روافد أخرى تصنعه ؟
· الوصفة السحرية لصنع شاعر سرية وغامضة ، لكني متأكد أن الوجوه والأمكنة والآلام والآمال تساهم في تفجير العبقرية بشتى مجالاتها .. الأهم وجود تربة صالحة لنبتة الإبداع ، وحتى الشوك ينمو أيضا في التربة لكنه يؤذي ويدمي من يتحرش به.
· موقفك من المؤسسة الثقافية هو موقف اتخذه أيضا بعض الشعراء ، هل باعتقادك أن المؤسسة تصنع هذه القطيعة ، وما الذي تحتاجه المؤسسة للاقتراب من الكاتب والعكس ما الذي يحتاجه الكاتب للاقتراب من المؤسسة ؟
- موقفي من المؤسسة الثقافية موقف مضطرب ، لست على قطيعة قطعية معها، لكنني أيضا لست بوقاً ينفخ بواسطته الأوصياء على الثقافة بمنجزاتهم الهشة ، أنا أتواصل مع أي عمل ثقافي جادّ وفعّال ومنتج تتبناه أي مؤسسة ثقافية وبالطبع أنقطع عن أي حدث ثقافي يسطح الثقافة ويتخذ منها أداة لتحقيق سمعة وصيت زائف ، أنا لست مع أي فعل ثقافي لا يرقى بالإنسان في جوهره ، الإنسان العماني بحاجة إلى من يلامس روحه عبر تجليات الإبداع بمختلف روافدها.
الإنسان العماني في كدحه اليومي يحتاج إلى مثقف شريف يعبر عن آلمه وطموحاته.
· شاركت في الملتقيات والمهرجانات الشعرية التي تتبناها هذه المؤسسة وحصلت على جوائز عدة ، ما سبب ابتعادك عن المشاركة الآن هل هي قناعة بأنك لم تعد بحاجة إلى المشاركة أم بسبب الآلية التي تتخذها المؤسسة في الحكم على النص ؟
· لا شك إني أدين للملتقيات والمهرجانات فهي رافد لرؤية تجارب شعرية متنوعة ريادية وناشئة، لكن آخذ عليها كونها وظيفية ، تكرر نفسها ، بل وقد تردت كثيرا في الآونة الأخيرة ، ربما يكون هذا كلاما قاسيا ، إنما لا بد على ملتقيات الشعر ومهرجاناته أن تتقدم في رؤيتها وصياغتها خصوصا في ظل تطلعات الشعراء الشباب إلى مهرجانات تنافس ما يرونه في الدول العربية والخليجية ، ولا يتأتى ذلك إلا بأن يضع برامج هذه المهرجانات شعراء ومختصون في العمل الثقافي وليس مجرد موظف يقوم بنسخ أوراق السنة الماضية وتغيير التاريخ فقط .
· شاركت بأول نص قصصي في إحدى الملتقيات وهو ( الحاسد زوج البخيلة) بطل النص( سليمان) والبطلة( بلقيس) هل ثمة تقاطع متعمد بين(الاسمين) فقط والسيرة النبوية ، أم ثمة دلالة أخرى للاسمين ؟
· في تلك التجربة ، كنت متأثرا بأسلوب ( مفلح العدوان ) في مجموعته( موت عزرائيل ) باستخدام تكنيك هدم القصة التاريخية وإعادة بنائها وإسقاطها على الواقع ، حاولت أن أجرد سليمان من ذاته النبوية بمعنى لا أتحدث عنه تاريخيا كنبي ، بل كرمز للسلطة فسليمان في القصة رمزا للسلطة التي تجرد المبدع -ويمثله الفلاح- من أدواته الإبداعية والإنتاجية ( مصادرة الثور الذي يحرث به الفلاح أرضه )و(خصيه فلا يحصل على المرأة التي حلم بها ) هذه كلها رموز لم أتعمد بواسطتها الإساءة إلى الذات النبوية لسليمان عليه السلام ، والطريف أن ما حدث للفلاح / هو بالضبط ما حدث لي، لقد فقدت فحولتي القصصية.
· هل تعتقد أن السلطة الدينية تأثيرها أقوى من السلطة السياسية والاجتماعية ؟ وأين تقف حدود حرية التعبير ؟
· عمان ليست دولة علمانية حتى يتم خصخصة السلطات ، الاتجاهات والتيارات في هذا البلد المركب كلها متورطة في الدين والسياسة والمجتمع، بمعنى أن أفراد المجتمع العماني لا ينفكون يدورون في فلك واحد بمختلف انتماءاتهم المذهبية .
· " طفولة حامضة" و" ماتزال تسكنه الخيام" تجربتين متقاربتين هل كتبت النصوص في المجموعتين في نفس الفترة ، مالفرق بينهما ؟
· لا أعرف المقصود بحدود الفترة ، لكن أكثرالنصوص كتبت أثناء الدراسة الجامعية ، خصوصا ( ما زال تسكنه الخيام ) وقبله ( أثر ) القسم الأول من ( طفولة حامضة ) ، أما القسم الآخر (ظل ) فقد كتبت قصائده في مرحلة متأخرة ، بذلك يكون موقع ( ما زال تسكنه الخيام ) في وسط ( طفولة حامضة ) بين ( أثر ) و( ظل )، أتمنى أن لا يكون هذا الكلام معقدا .
· لديك أطلال خاصة تقف عليه كالطفولة والخيام التي تمثل التنقل والترحال ، إلى أي مدى تحضر هذه الثيمة وهي الاغتراب والحنين لدى الشاعر خميس؟
· الحنين الجارف للطفولة هو تعبير عن الاغتراب الآسن في الروح قبل المكان ، لا أعرف هل قدر الشاعر أن يشعر بعدم الاستقرار ، ما أشعر به بالفعل هو إنني لا أنتمي إلى السماء ولا إلى الأرض ، كأنني قنطور\ وهو كائن أسطوري له جسد حصان ورأس إنسان ، وهذا شعور موحش ولكنه خلاق ، الطفولة والخيام هي أطلال تمثل القـَرار وليس الفـِرار.
· ظهرت تجارب مع ظهورك واستمرت إلى فترة معينة واختفت فجأة مثل( علي الرواحي وخالد العريمي ومحمد الشحي وحصة البادي ) ، وتجارب أخرى مازالت تنشر وتشارك في المهرجانات ، هذا الابتعاد والغياب ألا يسبب ظهور بعض التجارب البسيطة والمتواضعة تحتل المشهد ؟
· أعتقد أن كل أسم من الشعراء السابقين له خياره في الصمت وظروفه ، وهم وإن صمتوا عن النشر لا أظنهم قادرين على التخلص من فيروس الكتابة الضارب في دمائهم ، وأتمنى أن يعودوا جميعا للنضال بالكلمة ضد القبح والفناء.
· ما رأيك في المشهد العماني الشعري والسردي أيضا ؟
· كما لا حظت في السؤال السابق فإن معظم الصامتين من الكتاب هم شعراء ، وأظن أن هذا الاقتصاد في اللون الشعري في مقابل التبذير في اللون السردي يشكل حالة من التناسب في اللوحة الثقافية ، والصراع بين الكم والنوع قديم، ولا يحتاج السامع ليفرق بين الثرثرة والغناء إلى عدسة مكبرة .
· كونك " معلم " هذه الوظيفة التي تضعك في معمعة الخليط الاجتماعي والتقارب الإنساني الآخر ، هل تسبب لك قلق في حاجة الشاعر الى عزلته المشتهاة ، كيف تعايش الوضع " كشاعر"؟
· الوظيفة عزلة داخل العزلة المشتهاة.
· هل تعتقد أن النشر الالكتروني يساعد الشاعر في ظهور تجربته دون الحاجة إلى إعلام ومؤسسه تبعثه لمشاركات خارجية ؟ ما مساوىء النشر الالكتروني إن كانت ثمة منها ؟
· النشر الإلكتروني سلاح ذو حدين ، لدي قلق من الكائنات الافتراضية أما الأوراق الحبرية أكثر ألفة وثبوتية .
· النقد ... لك اشتغال نقدي في بعض التجارب العمانية والدراسات ، مارأيك في التجربة النقدية العمانية؟ ما الذي تحتاجه لترقى بالمشهد الثقافي في عمان ؟
· الصدق في المقاربة النقدية أهم أدوات الناقد ، لان آفة النقد في عمان المجاملة والتلفيق وأرى أن ثمة تجارب نقدية تتخلـّق في الساحة وعلى صدور الجرائد.
· ما لذي تعنيه لك هذه المفردات "
البحر: مغرور ، لم أفلح في إقامة صداقة معه ، علمني التواضع .
الطفولة: ماء تسرب من بين أصابعي ولم أرتوِ منه بعد .
الأم : جناح كسير لكنه يدفئ.
جداتنا الطيبات: كنت أظن إنهن تمائمنا ضد الموت ، لكن الكفاح الأسطوري ( للحبوه زهرة ) ضد الموت لم يستطع أن يؤجل رحيل ( فيض ) ابنة حفيدها .
الوطن : ذرة رمل بعيني ، أحملها حيث أمضي ، و تألمني .
القراءة : ضرورة حتمية لنمو متكامل .
· ماذا شعرت عند رحيل محمود درويش ؟
· بنفس المرارة التي تجتاح المرء وهو يشاهد رأس طفل وقد أندلق دماغه من جمجمته تحت القصف ، الفرق الوحيد أن الطفل قد توقف عن صراخه أما درويش فتحول صراخه إلى زئير ارتعبت له كعوب البنادق.
· هل من كلمة تود أن ترسلها عبر جريدة الزمن ؟
· أود أن أعبر منبر الزمن الذي يتيح أكثر من غيره حرية الرأي والتعبير ، أعلن تضامني مع الشرفاء الذين يدافعون عن حق الكلمة ، وأتمنى للكاتب ( علي الزويدي ) أن يتجاوز المطبات بسلام .

التقاطات جمالية، احتفاء بآخر الكلام الحميم

إضاءة : خميس قلم أول العُتمة : ( لا ظلّ للأسماء يحرسها) مجموعة شعريةٌ رشيقةٌ، متألفةٌ من ثلاثة عشر نصّاً، صدرت عن مؤسسة الانتشار العربي 2009 ضمن إصدارات الجمعية العمانية للكُتّاب والأدباء، وكاتب المجموعة / علي الرواحي / كما تشِي به النصوص: شاعرٌ ممتلئ بمعاني الغربة والحنين : ص 20 ( هلاّ / أضأت دمي / يا غريبُ / وأرجعت / للناي / أشواقه / هل تعدّ يداك / حنيني / وترجعني / للطفولة / بين ذراعيك ). حالمٌ بالرجوع إلى المكان الأول والزمان البريء. شاعرٌ مزدحمٌ بالأسماء، أسمائه (له أن يتسمى بما شاء) فهو : الغريبُ ، المسافر ، ابن النخيل ، ابن حنين الأرض، صوفيُّ الغوايةُ ( أزرقُ يرتجل الحزن والليل والفتيات). وللفتيات أسماؤهن : زرقاء ، شمس ، ليلى ، سهى ، هند ومزدحم كذلك بأسماء الزهور : الياسمين ، الورد ، الزنبق ، البنفسج وأسماء الأشجار : الغاف ، النخيل ، الليمون ، الصفصاف وأسماء الطيور : اليمام، الحمام ، البلابل ، القطا ، النوارس هذه الأسماء وغيرها التي ستشكّل عالمه الشعري، يأخذها من الحلم ويبرع في (زرع إيقاعها في القصيدة أو في الوريد).. كل هذه الأسماء تتوسل ظلاً يحرسها حين تنام (أو تتظاهر بالنوم في ليالي البلاد البعيدة)، وحده الشاعر ظِلّ اللغة، يُبقي عينيه مفتوحتين على جمال الأسماء يحميها من هُواة الخراب والمحو، سوطه لسانه يلسع به كابوس القُبح الذي يحاول أن يتحرش بوداعَةِ الأسماء. وسنعود للحديث عن الأسماء في آخر الكلام.. ô لا ظلّ للأسماء يحرسها ( لا ظل للأسماء يحرسها) عنوان يشتمل على ثلاث دوائر: - الدائرة الأولى : عنوان المجموعة الشعرية، مظلة يندرج تحتها ثلاثة عشر نصاً شعرياً. - الدائرة الثانية : عنوان للنص الرابع في المجموعة الشعرية وهي دائرة محتواه في الدائرة الأولى. - الدائرة الثالثة : ( لا ظل للأسماء يحرسها ) عبارة شعرية متضمنة في النص الرابع، ويمكن اعتبارها مركز المجموعة، الحجر الأسود الذي تدور حوله حكاية: الغريب العاشق وما يحمله في دمائه من حنين للمكان والأسماء الأولى وتوق لمغامرات تثمل الأرصفة تحت خطواتها، حينما (يكون الوقت نبيذاً ويماما). بهذا سننظر إلى المجموعة الشعرية بوصفها نصاً شعرياً متكاملاً يدور في فلك (حكاية الغريب)، هذا العمل الشعري شكّله الشاعر من أفق متجانسٍ في لغته وصوره، ومتناسب في إيقاعاته ودلالاته، وقبل أن نطرق باب الحكاية (حكاية الغريب وحنينه ومغامراته) أودّ أن أسقط الضوء – بشكل سريع – على بعض الأعمدة الفنية التي يقوم عليها هذا (العمل الشعري) B اللغــة : معجم الشاعر في هذا العمل الشعري يسهل حصره ومفرداته تتّسم بالبساطة والوضوح لكن تركيب المفردات وانتظامها معاً يفرز تنويعات أسلوبية ومجازية ودلالية شتّى، يظهر التنويع في الأسلوب باستخدامه للجمل الخبرية والإنشائية وينوّع داخل حيّز هاتين الجملتين، فعلى صعيد الجملة الخبرية يراوح بين الجملة الاسمية والفعلية، وقد لا يلتزم بالقالب البسيط للجملة بمعنى قد يقدم الخبر / الجار والمجرور / في حالة الجملة الإسمية للجملة أو يقدم الحال على فعله / في الجملة الفعلية.. وعلى صعيد الجملة الإنشائية، يغلب عليه التعبير باستخدام الإنشاء الطلبي خصوصاً (النداء ، والاستفهام) مركّزاً على أداة النداء ( يا) دون غيرها من الأدوات : ص 65 ص 65 : لكنها الصحراءُ / يا أبتِ / تحنّ إلى صباها / في دمي ص 56 : يا شمس / صوفيُّ الغواية / مشرع / شباكه [ ياغريب تتكرر كثيراً] بينما يركّز في أسلوب الاستفهام على (هل) : ص 12 : هل تشعر / مثلي / بجبال / ظفار؟ ص 40 : هل يعرف / الوعل أبعد / من عشبةٍ / تتأولُ / أحلامُه بوحها؟ ص 66 : هل خبأتك غزالة عن قلبها / هل كاشفتك بما تحبُ / وهل حكايتها عن البدو الغزاة وعن غواية جدها / علقت بأجنحة القطاة. هذه التكرارات الأسلوبية تتوزع في النصوص لتؤكد على تجانس النفس الشعري للمجموعة والإيقاع النفسي للشاعر. B التنويع الدلالي : يرسم (علي) دلالاته الشعرية بواسطة تعبيرات شعرية بندولية تتأرجح باتزان بين التعبير اللامألوف والتعبير المألوف حتى لا يضيع القارئ في تخوم النّص الغامضة، لكن رغم ذلك يبقى النّص في عمقه عصّياً على متلقيه ما لم يتزود بكميات كبيرة من أكسجين الحرّية ليغطس إلى أعماق النص، على القارئ أن يتحرر من إسار المنطقية الفجّة في التعامل مع المفردات بل عليه أن يُسلم لها روحه لتقوده إلى ظلال شجرة المعنى. وكنموذج للتعبير اللامألوف : ص 25 : يسقط / من شرفة / الأغنيات / حبيبٌ / كنصف صلاة / وشت أدمع الطفل / عند السجود / بخضرتها.. فإضافة شرفة إلى الأغنيات ، وتشبيه الحبيب بنصف صلاة ، و وشاية أدمع الطفل عند السجود بخضرة الصلاة، كل هذه التعبيرات اللامألوفة، تفتح دلالة الجملة الشعرية إلى ما أُسميه بالحالة الدلالية، التي يستطيع القارئ أن يتأوّل بوحها وفق ظروف تلقيه النفسية، هذا النمط من التعبير اللامألوف لا يجعلك تسند ظهرك إلى جذع شجرة المعنى، بل يُلقي إليك بظلالها فتحس أثر المعنى عليك دون أن تحيط به تماماً. ويساهم في تقريب (الحالة الدلالية) للجملة الشعرية ما يسبقها أو يليها من تعبيرات مألوفة. ص 26 : اُخبئ / صورتك / الجانبية / تحت الوسادة / عطرَ الرسائلِ / أحفظُ فيروز / عن ظهر / قلبٍ ، وأعشقُ / محمود درويش / أحلم / بالبحر / مثلك. يأتي هذا المقطع الشعري المباشر ليرسم خطوطاً دلاليةً للمقطع السابق عن الحبيب الذي يسقط من شرفة الأغنيات، ويسوّغ هذه المباشرة كون الجمل الشعرية معنا على لسان عاشقة تستعرض أمام شاعرها فضائلَها : حفظ أغاني فيروز ، وعشق درويش ، وحلمها بالبحر B التصوير التشكيلي : مما يلفت النظر أثناء قراءة ( لا ظلّ للأسماء يحرسها ) المشاهد التشكيليّة المصوّرة، النابضة بالحياة والحركة، تتحرك لكن في إطار المشهد، صور تعبيرية ناطقةٌ، تساهم الأفعال المضارعة في بعث الحياة داخل إطارها والإيهام بالحركة: ص 26 : أحلم / أن يداً / سوف تأتي من / الغيب، يزهر / قلب الرصاص / بلمستها / برتقالا اعتماداً على المفردات المحورية، يداً ، قلب ، الرصاص ، تزهر يمكن للفنان التشكيلي أن يستمد لوحته من هذا المقطع.. بمعنى يمكن تحويل المقطع السابق إلى لوحة تعبيريّة. ص 51 – 52 : واليمامات / تحرث في غيمة القلب / لم يبق / غيرك، والدربُ / للنبع / محفوفةٌ / بالغموض وموغلةّ في التوجس / فاقتربي / أنت / صفصافةّ تمنح / النبع / زرقته .. كأنك تقف أمام لوحة من طراز الركوكو، تغِلب عليها الأوان الصدفية وتدرجات الأزرق.. B التناغم الإيقاعي : الموسيقي المنبعثة من أوتار النصوص تعمّق الشعور بانتمائها إلى سياق نفسي ودلالي منسجم، معبّرة عن حالة الوجد والحنين والاغتراب، يتأسس إيقاع المجموعة على تفعيلة المتقارب (فعولُن) وتدعمها تفعيلة المتدارك (فاعلن) وهما بحران يخرجان من دائرةٍ إيقاعيةٍ واحدة، يتخللُ هذا الايقاع تنويعات من تفعيلات ذات إيقاع متصاعد (فاعلاتن، مفاعلتن، متفاعلن) تتحاور مع الإيقاع العام منتجة مقطوعة موسيقية منفردة يساهم في صنع موتيفاتها تنوع القافية واستثمارها ويبلغ إيقاع العمل الشعري أقصاه في هذا المقطع ص 74 : أرتب في دمي / الإيقاع / هند / مدينة ومدى / وهند ربابةٌ أبدا غزال / كلما همست / إليه سحابة / شردا .. ô غيوم ماطرةٌ بالحنين قبل أن نلج إلى دهاليز الحكاية، تستوقفني ملاحظة شكلية تتصل بعناوين النصوص من ناحية وبالأسطر الشعرية للنصوص من ناحية أخرى، فالملاحظ أن عناوين النصوص طويلة نسبياً، ومركّبة غالباً.. - زرقاء ، حديث الشبابيك للفجر (تبتكرين لكل معلقة شاعراً أو مدينة) - مساء اليمامات / غربة أو دم الياسمين - جديلة شمس وآخر أيقونة للغريب - كما لو أنك تعبرين الآن أغنية من البلور والشرفات بينما الأسطر الشعرية للنصوص مُنكمشة، تكون في الغالب مفردة أو اثنتين ونادراً ما تأتي على ثلاث أو أربع مفردات هذا الشكل: القصر في الجملة الشعرية في مقابل طول العنوان يرسم لوحةً توحي بالتكثيف والتقطير. العنوان يكثف النص فيما يشبه غيمة، في حين تمثل الأسطر الشعرية قطرات المطر التي تسقط عمودياً من غيمة العنوان، لا يبقى أمام القارئ إلاّ أن يمدّ كفيه لالتقاط قطرات المفردات المتساقطة حتى يفيض المعنى بين يديه.. بهذا الوصف تصبح النصوص الشعرية قطيعاً من الغيوم الماطرة بالغربة والحنين في سماء المجموعة الشعرية.. ô جسد الحكاية جوهر هذا العمل الشعري يتصل بحكاية (الغريب الممزق بين جحيم الحنين وفردوس المغامرة) الحنين للمكان والأسماء، والمغامرة بما تحمله من غواية الإسفلت والأرصفة وتشظّى موج البحر. ويتجلّى جسدُ الحكاية في نصي (لا ظل للأسماء يحرسها) ، (جديلة شمس وآخر أيقونة للغريب) بينما روح الحكاية مبثوثة في باقي النصوص.. = نداء الأقاصي / الحنين إلى الأصل : المكان الأول ، الزمان الأول ، البراءة الأولى، تنفلت في لاوعي الشاعر لتبوحَ بحنينها وقلقها من مصير هذا التحوّل عبر غربة الروح والمكان. ص 31 : [لا ظل للأسماء يحرسها] عُدْ / ياغريب / إلى أقاصيك / القصية / فاليمام هنا / غريبُ واحتدام / الليل / بالنايات والغافِ / المسافر في / حكايتنا / غريبُ والحنين / لنخلةٍ أسميتها / ليلى / غريبُ عد / كالمدى / ينسلّ / منك ويختفي / فيك الخيبُ ص 39 : [ جديلة شمس وآخر أيقونة للغريب] تركت / على حافة / الليل / قلبك / ثم رحلتَ / إلى أين / يا ابن النخيل التي قالت / الأرضُ / للريح: / هذي / بناتي احرسيها، / ويا ابن حنين / إلى أين ص 56 : [كما لو أنك تعبرين الآن أغنية من البلور والشرفات] يا شمسُ / صوفي الغواية / مشرع شباكه / وأنا / مناديلٌ ترفّ / على صهيل/ الأرض / فينا كلما حنت / نخيلُ.. ص 62 : [أغنية الليل/ مرثية الليل] مرهقةُ / ظبية القلب / والريح مرهقة / والخيام والغريب / هنا مرّ / منذ / قطيعين للأغنيات / وعامٌ.. ص17: [ مساء اليمامات / غربة أو دم الياسمين] مساء / اليمامات / يجهرن بالعشق / للغرباء / ويحفرن / في القلب / أعشاشهن مساء اليمامات / والغاف / هذا الغريب / سيشرق / بالصمت والليل.. ص 73 : [كلام ساحر في الرمل] أعيديني / إلى رئتي / كي أتنفس / الأشجار يا صحراء / رديني.. كلّ هذا الحنين الجارف إلى البدايات بنخيلها وغافها ويمامها وخيامها وغزلانها وناياتها ورمالها وإبلها وخيامها ومضاربها.. ترسم ملامح المكان الأول المعبّر عن روح الصحراء، وللصحراء عاداتها في الحنين.. = حنين الأسماء : المكان المغتَرب منه حافلٌ بالأسماء: أسماء الطيور، الزهور، الأشجار، والنساء وسأتوقف عند أسماء النساء التالية : شمس، هند، ليلى وهي أسماء تنتمي إلى الخيام.. (شَمْس) : اسم متوهج في المجموعة، يتكرر بشكل ساطع في ثلاثة نصوص، يعكس طبيعة الصحراء برمضائها وصهدها، يبدو صوت (شمس) دافئاً وهي تعاتب برقةٍ منقطعة النظير عاشقها المغترب: ص41 : إلى أين؟ / وجهك قافلةٌ / للحنين، وقلبك / طائر / إلى أين ليمونة البيت / لم تُفشِ سرك / من سيقول / صباحكِ أزرق؟ الزرقة تنكشف بجلاء مع شروق الشمس، بالشمس تنمو الزهور ويزهر الياسمين وتتمايز الظلال التي تخلفها الشمس وراء الموجودات ، وللشمس في سمائها حركةٌ وميل، للشمس رقصةٌ، وقد نذرت (شمس) أن يظلَّ ظلَّ رقصتها وفيّاً للنخيل وللبراري، عاهدت شمس الحديقة أن يظل الياسمينُ كظلِ رقصتها وفيّاً للنخيل وللبراري. (هند) : أخت القطا والغاف، بنت الصحراء، هند ربابة مجروحة بالحنين، غزالٌ شاردٌ من همس سحابة، هند عاشقةٌ، وشاعرها / سيُسلم قلبه للريح/ نعم سيغادر يغترب إلى حيث النوارس وتشظى الموج، وفي أعماقه صوت الحنين يشّده إلى البدايات. ص 73 : أعيديني / إلى رئتي / كي أتنفس / الأشجار / يا صحراء / رديني / أرتب في دمي / الإيقاع (ليلى) : أشهر المعشوقات في التاريخ العربي، ليلى نخلة يؤبرها الحنين (والحنين لنخلةٍ أسميتها ليلى غريبُ) هي الصبابة والربابة والسحابةُ، ولها حكايةٌ علقت بأجنحة القطاة ص 67 : فكن مطراً / على أقدام ليلى / أينما ولت / وقَفْتَ / على مضاربها بعشب القلب. شمس ، وهند ، وليلى ، اسماءٌ قابلةٌ للتأويل أكثر.. تتجلّى بصور وصفات شتى في سطح العمل الشعري لكنها في عمقه مرتبطة بوشائج تجعلها تشترك في انتمائها المكاني وحنينها العاطفي حتى يمكن تذويبُها جميعاً في ذاتٍ واحدة، مما يؤكد تماسك العمل الشعري. = الاغتراب وتشظّي الذات : رأينا أن المجموعة طافحة بالغربة ومرادفاتتها الغريب، المسافر، رحلت ، يسافر،...الخ. وربما تكرار عبارات من قبيل (عُدْ يا غريب)، (عد يا غريب) و(إلى أين) (إلى أين) ويمكن تقدير الفعل المسكوت / المضمر هنا إلى أين تمضي / ترحل أقول إن هذه التكرارات تكرّس الشعور بالاغتراب ويصاحب الغريب في مسيرة تحوّله المكاني، صوتّ داخلي يخاطبه باعتباره آخر، صورة له أو ظل، (أتعرف زرقاء بأني / أنك..) (أتعرف زرقاء بأنك/ أني) (قل لي) وزرقاء هذه بالمناسبة تنتمي إلى غواية المدينة يبوح بانتمائها خطوط حقيبتها، واللحاف الذي تتقي به الشمس (شمس هنا تذكرنا بالمكان الأول)، زرقاء هذه المدينة المختزلة في فتاة تبعث في الشاعر وظلّهِ أحاسيس تتوزع في جغرافيا الوطن [هل تشعر مثلي برمال وهيبة] ، [هل تشعر مثلي بجبال ظفار]. ذلك الظل/ الصوت الداخلي لأنا يتحول فيما بعد إلى ناقوس يذكره بانتمائه الأول ص34 : والبلابل / جرّحت أشواقها / لك يا / غريبُ لا ظلّ / للأسماء يحرسها / فعُدْ.. ثم يمارس عليه ذلك الصوت لعبة (الضمير) ليرده عن طيش غربته وخطورة مغامرته ص36: عد يا غريب فما لمثلك كل هذا البحر والاسفلت يغوي أرجل الغرباء.. يتشظّى الغريب وفق ذلك إلى (أناتين) - الأنا الباحثة عن مغامرات المدينة وغوايات الاسفلت وهي ما يسميها فرايد (الهو) - الأنا الباعثة للحنين والمخدرة من عاقبة النزق / وهي صوت الضمير يسميها (فرايد) (الأنا الأعلى).. الشاعر إذن تسيطر عليه تجربة الاغتراب ببوحها ويسيطر هو بما يمتلكه من أدوات فنية فذّة على خيوط الحكاية.. = غواية الاسفلت / طريق اللاعودة: طريق الحرير ببحره ، نوارسه ، شطآنه ، أرصفته ، إسفلته ، نبيذه الخرافي، ملاءاته، شراشفه ، مراياه وبنات ليله، طريق اللاعودة حيث المكان الآخر / المكان المغتَرب إليه مدينة البحر والمغامرة.. هناك حين يكون الوقت نبيذاً يضلل الغريب ويطرحه على أرصفة الجرح الثملة تحت خطاه، يحصي هزائمه، يغويه الاسفلت إلى البحر تغادره الطرقات (هل أشعر مثلك بالطرقات تغادرنا) يجد نفسه منكسراً أمام البحر، يرى في الموج المتشظي انعكاس ذاته: ص45: وجوهٌ في نشيج الكأس / تلفحني / ووجهك / حانتي الأخرى / وتشربني / بنات الليل / هل / عبثٌ تشظّي / كل هذا / الموج؟ / هل عبث / ؟ فيجاوبه صوته الداخلي مطالباً إياه بالرجوع إلى المنازل الأولى : ص37: عُدْ / يا غريب / فما لمثلك / كل هذا / البحر/ والاسفلت / يغوي أرجل / الغرباء / ماذا بعد / لم تفقد / على شطآن هذا / البحر؟! ô آخر الكلام تحدثتُ في أول العتمة عن الأسماء التي تتوسلّ ظلاً ليحرسها ، وقلت أن الشاعرَ ظلَّ اللغة يبقي عينيه مفتوحتين على جمال الأسماء يحرسها من هواة الخراب والمحو، ويشيّعنا في غلاف المجموعة مقطعان شعريان لا ينتميان لأي نص داخلها، وكأنهما رجع للعنوان (لا ظلّ للأسماء يحرسها) تركت الكلام / الحميمَ / على جمرةٍ من كلامٍ / وصمت / ونمت الشاعر / ظل اللغة يترك الكلام الحميم / بما يحمله هذا الكلام من ذاكرة وأسماء ، يتركه على جمرة من كلامٍ وصمت.. جمرة تحرق الكلام الحميم، تحرق الشعر بكلامٍ عابر وتحرق الشعر بجمرة الصمت المطبق.. هذا التخلي عن الكلام الحميم هو في حقيقته فعل تدميري يضاعف انهزاميته عبارة (ونِمت) والنوم معادل الصمت والموت بل الانتحار لأن الانتحار فعل اختياري كالنوم.. النوم كذلك إغماضٌ للعينين – لماذا يغمض الشاعر عينيه؟ هل يسعى الشاعر / ظلّ اللغة / أن يبصر في عتمة عينيه المغمضتين الحقيقة التي يبصرها أبو العلاء.. لكن أبو العلاء يبصر – وحده – الحقيقة بعينين مغمضتين كما في الإهداء ص7، وفي الإهداء كذلك يثير الشاعر إلى أنّ ما يُهديه لأبي العلاء هو : أول العتمة آخر الكلام .. فهل هذه المجموعة الشعرية هي آخر الكلام؟ الموحش : أنّ المقطع الثاني في الغلاف يؤكد على تلك الرغبة في الانتحار الشعري فمرّي عليّ إذن ربّما يتسنى لقلبي التوقف قبل الثلاثين لا ليقول الحقيقة، لكن ليكبرَ في نظر الياسمينْ.. يختار الشاعر / ظلّ اللغة أن يغمض عينيه ويغفو تاركاً (الأسماء بلا ظلٍّ ليحرسها) ولسان حاله يقول : " طويلاً ثرثرت، وآن لي أن أصمت

قراءة: حسين الجفال /عكاظ /01/ فبراير/2007 العدد : 2055

"إلى أمي" و "خروج"
قصيدتان تشتبكان بأسطورة الحياة الخالدة
في الديوان الشعري الذي كتبه الشاعر الشاب / خميس قلم والذي انساب بحرية من مطبعة الانتشار العربي في طبعته الأولى عام 2006م كتب الشاعر قصيدة قصيرة جدا تحت عنوان " إلى أمي" حيث تصدرت الصفحة السابعة وقد جاءت في سبعة أسطر فقط. " إلى أمي " عندما أرجع بالشمس إلى أمي سألقيها عليها علّها ترتد من بعد شبابا وأنا ارتدّ طفلا في يديها قد يعتقد القارئ بأن هذه القصيدة لا تعادل هذا العطاء المتجدد لأمنا الخالدة في سطور الزمن !! وقد نعتقد نحن للوهلة الأولى بأن ذلك صحيحا إذ كيف يحجم عطاء الأم إلى هذه الدرجة حتى يأتي كل عطائها حافلا في سبعة أسطر فقط!!! تعكس القصيدة بؤرة بصرية هامة تمتد في أعماقها إلى سنوات طوال حيث تلازمت الأسطورة بالخلود الإنساني إنها نظرية طائر الفينيق الأسطوري الذي سرعان ما يبعث للحياة بشكل متجدد عند بزوغ فجر جديد من سطوع شمس الصباح هذه الأشعة الضوئية التي تعيد لهذا الطير الأسطوري حياته من جديد قد أصبحت لها وظيفة أخرى هي وظيفة مشابهة لتلك الأسطورة ، فهي مبعث كل الجمال والبهاء ، الشباب والطفولة. الأسطورة بلا شك هي على مزاج مختلف ومتضارب ومتعارض مع الفناء والرماد والركام !! هذه صفات لا يعرفها طائر الفينيق نفسه ، الذي اعتاد على لملمة أجزائه ، وإعادة تركيبها مرة ثانية على ضوء الشمس الساطع في أجواء الحياة. إنها حبكة فنية عالية ارتبطت بهذه الأسطورة كي تخلد الأم وتخلد الابن في آن واحد ، الكل يعود إلى أحضان شبابه وطفولته ، المسألة هنا تتجرد عن العقل بكل انحرافاته في مجرى الأحداث ، فالأسطورة هنا خلود ، ولكن في أحضان مشاعر بدائية بيتوتية لم يقصد منها الشاعر أبدا مناهضة الموت والشيخوخة على شاكلة الذي يتصدي للرياح العاتية القادمة من كل مكان كي يصطرع معها في الميدان!!! هكذا نرى الصورة الحسية متجسدة من خلال علة تهوى الشباب والطفولة معا . لا شك أنها أمنية تقف عند حدود الزمن الماضي ، نشم من خلال عنفوانها المتصل بما لا يطاق تحقيقه !! فهل بإمكان أحد أن يرجع بالشمس إلى أمه؟ إن توظيف الأسطورة هنا بدلالة رمزية تشي بالعلاقة ما بين الشمس وإعادة بعث الحياة إلى الأم وإلى الطفولة في آن واحد تبدو في غاية الرومانسية المجردة من عناصر قوتها والتي لا تساعد إلى تلازم الأمنية بالشباب ولا بالطفولة على مستوى التمنيات والأمل المنشود. كما يصرخ المتعب من عناء الكهولة بـ ليتني كنت شبابا ، حينما صدح الشاعر أبو العتاهية قائلا : ألا ليت الشبـاب يعـود يومـاً فأخبره بما فعل الـمـشـيبُ حالة من الضعف لا يمكن استرداد القوة من خلالها بالاعتماد على زمن العنفوان والطفولة والشباب. هكذا هو حال المتكلم الذي شخصه الشاعر هنا في قصيدته هذه. سبعة من الأسطر حافلة بكل العنفوان المجرد من وسائل أسلحته للعودة إلى الحياة ، إنها أمنية مستحيلة بأدوات شبه ميتة لم يحالفها الرمز الأسطوري على بناء مستقبلها في عالم فقد مقوماته من أجل الحياة. ما مدى التصاق الشمس بالحياة ؟ في حالة كهذه يبدو أن الشاعر يرسم لنا قدرا مأساويا لا فكاك منه ، فلا الشمس قادرة على بعث الشباب في الأم ، ولا الشمس قادرة بنفس المقدار أن تعيدنا إلى مرتع طفولتنا الخالدة … إنها لوحة ساخرة من الزمن ناقمة عليه ، عاجزة عن تغيير موازنات القوة فيه. وبعد هذه الحيرة تأتي قصيدة "خروج" كي تلملم بعضا من هذا الشتات المعنوي !! فلا الشمس قادرة على بعث الحياة في أم لا تكابر ، وليس للنور قدرة على بعث الشباب في أم لا تكرس أثداءها لإرضاع ثائر ، هذه هي طبيعة الأم التي تكابر على ألمها وعلى حياتها المذلة ، إنها مصدر الثورة في كل مكان كما كانت مصدر النماء والخصب!! وبعد أن أظهر لنا الشاعر في قصيدته الأولى لوحة فنية سوداوية تشي بالكثير من السخرية ، كما تشي بعلاقة سلبية بين أسطورة الخلود والبعث من جهة وأسطورة الشباب والطفولة من جهة أخرى .. جاء هنا لكي يرسم لنا معالم حياة جديدة .. فهو خارج هذه الذات الكسيرة التي عكست لنا كل سوداوية المجتمع الذي تعيش فيه. الطائر هنا يشي بالكثير من التمرد ، حيث حدد معالم الصراع الذي يحتدم في مجتمعه إنه صراع قبائل تتقصى تاريخها في الحياة ، وهو عربي يرفض بكل إباء وشمم أن يأكل لحم أخيه أو يتأفف في وجه أم تكابر!! النسوة هنا ذات طبيعة فولاذية ، يقتصر حليبها على الثائرين ، الذين يسعون بكل إباء وشمم إلى تسجيل هويتهم كطائر … فمن ترى هذا الطائر الذي تسعى هذه الشخصية المتحدثة إلى تسجيله في عالم الحياة!!؟؟؟ من قصيدة " خروج " لا وجود سوى للنساء اللواتي يكرّسن أثدائهنّ لإرضاع ثائر لهن اشتهاء النحيب ولي أن أقامر يموت : " ولا يأكل العربي بعينيه " لحم أخيه يموت ولا يتأفف في وجه أم تكابر للقبائل أن تتقصى تواريخها ولي أن أسجل : " طائر " ربما تكون مجرد إجابات مختصرة على قصيدته التي بدأ به ديوانه الشعري الذي يتكون من ثلاثة عشر قصيدة والذي جاء تحت عنوان " ما زال تسكنه الخيام". حسين الجفال Abcd02000@hotmail.com
1 - فهمنا النقد فهماً بسيطاً باعتباره خطاباً تصحيحياً تقويمياً فالإنسان بطبيعته ميالاً للمعارضة والتوجيه والتصريح بآرائه في شتى القضايا ،أما إذا وسعنا رؤيتنا للنقد باعتباره استنطاقاً لمفردات الجمال في النص والبحث في تفاصيلها ومفاصل العلاقة بينها فالشاعر والفنان أقرب إلى رصد هذه المفردات طالما كان منشغلاً ومشغولاً وشغوفاً بها . وقراءتي لمجموعة(الممثل) للقاصة (أزهار أحمد ) نموذج تطبيقي لفكرة (شد وتر النص إلى أقصى ما يحتمل ) وذلك بأن يُعمل القارئ أدواته الثقافية ليصنع مما يبدو بسيطاً وعادياً عملاً مركباً يعكس وعي الناقد بقيمة اللغة وعلاقتها أكثر مما يكشف براعة الكاتب . س:عفواً ولكن هل ينفصل النص عن كاتبة ؟ ج: على الإطلاق ..لكن اللغة قابلة بأن تفعل، بمعنى أن النص كسطح أفقي ينتمى للكاتب، ولكن العلاقات اللغوية : الدلالية /الصوتية/الرمزية لا تنتمي للكاتب بشكل مباشر فهي في تصوري أقرب إلى القارئ /الناقد الذي يعيد صياغة النص وفق وعيه بانزياحات اللغة . 2- حتى أكون منصفاً شخصياً لم أقف على تقصي هذه الظاهرة بشكل دقيق ولكن أظن (ولعلي لا آثم ) أن إقامة نسبة وتناسب بينما ينتج من إبداع يحتاج إلى توسيط نقدي وما يقابله من فعل النقد فإني أرى أن المشهد مرضٍ إلى حد كبير، ولكن الذي لفت انتباهي حقاً غياب النقد والمراجعة (بمفهومها البسيط) في كثير من المؤسسات الرسمية المنوط بها توفير الماد الخام للإبداع والثقافة تجد أن هذه المؤسسات تتكلس يوماً عن يوم بسبب تغييب دور النقد والمراجعة وهذا بدوره (ولا شك) سينعكس على مخرجاتها التي يفترض أن تمثل (عصب) الثقافة . فلا يمكن بحال من الأحوال أن ينفصل الموقف النقد الأدبي عن سياق التوجه النقدي العام في باقي نواحي المجتمع. 3- أنت ذكرت سلفاً أن النقد فن ، والفن هبة وذوق ، فلا ترجُ من الأكاديميين المفلسين ممن لا ذوق لديهم ولا هبة أن يسهم في حراك النقد ، وما أكثر الشخبطات التي تطالعنا أسبوعيا في أعمدة الملاحق الثقافية باسم النقد الأكاديمي ، ليس علينا إطلاقا أن نعوّل إلا على الإبداع النقدي كيفما أتفق أكاديميا أو غيرة،وكثيرة هي النماذج النقدية الناجحة التي لا تمتّ إلى فجاجة الأكاديميين بصلة . 4- لا ..لم تكن القصة هي الفن الأقرب إلى اشتغالي الأدبي، أنا (وأقولها بملء الفم ) شاعرمع سبق الإصرار والترصد، ولعله سيفاجئك قولي "أن القصة التي كتبتها وسببت لي كثيراً من المتاعب رغم أنها حازت على جائزة الملتقى الأدبي في صلالة تلك القصة هي يتيمة تجربتي السردية، ورغم هوسي بمتابعة الإنتاج القصصي والروائي إلا أنني أتهيب كتابتها ربما لأن ( الذي لدغه الثعبان يخاف من الحبل ). 5- (ما زال تسكنه الخيام ))،((طفولة حامضة )) وجهان لعملة بؤس واحدة الوجه الأول : يتحدث عن ضياع الفتى العربي الأسمر بين خرسانات الإسمنت وهو ينوء بأسباب الخيام متشرداً بين صدور الغواني في المراقص وقبور جداته الطيبات ، والوجه الآخر: هو إنكار للممارسات الشكلية في المجتمع التي تسلب البراءة من أطفال الليمونة ،الأطفال الذين تشردوا أيضاً بعد أن طاردتهم العجوز بمكنستها نحن أطفالك يا ليمونةً علمتنا كيف يروى الحبق كم ملأت النخل غيضاً ولكم بشذاك الحر غصّ الشفق 6- على كل حال فإن النصوص التفعيلية للرواد كانت تجاهر بالنفس الطويل كقصيدة (الكوليرا) (لنازك الملائكة)و (المومس العمياء)(حفار القبور) لبدر شاكر السياب. لكن يقيني أن النصوص الشعرية القصيرة بما تقدمه من تكثيف للصورة والدلالة لا تقل أهمية من مطولات الشعر بل أكاد أميل إلى أنها أنسب لروح العصر الذي ينحو للتسارع والحركة :إن كبسولة شعرية قد تغنيك عن وجبة شعرية دسمة إذا ما أدت نفس القيمة الغذائية النفسية والدلالية .. وفي كل خير. 7–8 - حتى لا أتهم بالتشاؤم علي أن أزعم أننا لسنا في آخر الصف ؛ وعلي أن أبحث عن تخريجة لهذا الرأي كأن أزعم أن هنالك أدباء متحققون في الساحة العربية محسوبون على الأدب العماني، لكني إذا تجاوزت هذا الزعم وذاك فعلي أن أستند على قولك (ساحتنا شابة ) لأجد بصيص أمل يتناسب مع خطاب التفاؤل الذي نحاصر به يومياً في قنوات الإعلام (الغراء) لأقول إن: (البركة في الشباب ). 9- على الأديب العماني أن يعرف قيمة نفسه وإبداعه فلا يرخّصها في سبيل منافع مادية تافهة :عليه أن يدافع عن حقوق مجتمعه وشعبة بالكلمة الحادة والموقف الصارم ، وأي تنازل منه في هذا الإطار هو نكوص في هذا المجتمع وتخلف في روحه . 10- الحقيقة أن تجربه النشر في بيروت عرّفت بي أكثر ويخجلني أن المجموعة التي نشرتها وزارة التراث بقية رهينة المخازن كما يؤسفني أن أقول لك أنه تم الاحتفاء بالمجموعة الأولى في :الشارقة،أبوظبي ،القاهرة، الاسكندرية وتونس بينما لم تحظ أي من المجموعتين بأي اهتمام في (مسقط الإبداع) ولا أدري هل بسبب افتقاري إلى العلاقات الوثيقة والوساطات القوية بمحركي الثقافة في عمان أم أن الطرح الجريء (ربما) أخجل النقاد العمانيين فأحجموا عن التعاطي معه أو لأن النقاد المرتزقة لم يتم تكلفيهم بذلك لا أدري.. ولا يهمني أن أدري، على أنه لا بد من شكر المبادرة الفردية من قبل المذيعة الشابة (سهى الرقيشي) على منحها بضع دقائق في برنامجها الثقافي للحديث عن طفولتي الحامضة . 11- لا أحب أن أنسف بكلمة واحدة جهود أصحاب النوايا الحسنة لقد كنا نأمل أن يكون عام مسقط عاصمة للثقافة العربية عاماً تأسيسياً لمشاريع وبرامج ثقافية لكنه لم يستطع التخلص من البريق الاستعراضي الآني الذي خفت مباشرة بعد نهاية العام . 12- بل قل لي ما الذي لا يؤلمك في هذا العالم المشوه المتداعي .

في سبيل الشمس

حملوا رائحة الطين وساروا للجبالْ
كي يصيدوا الشمس في مكمنها
ويعودوا بالمحالْ ..
من بلاد دمها ثلجٌ سروا ..
في سبيل الشمس غابوا ....
خمسة كانوا ، وكلباً يقتفي
حجر الدفء وآثار الظلالْ .
المسافات ظلام وضبابُ
وعلى الأشجار ريح يتدلى الخوف منها
وعواء الصمت يأتي من قرار الليل
كي يسرق أحلام الرجالْ
في سبيل الشمس غابوا ....
زادهم من تربة الأرض
وأيديهم شباك ورماحٌ
وعليهم من وحوش البرِّ
أوشامٌ .. تعاويذُ ...ثيابُ
في سبيل الشمس غابوا ...
شققتْ أقدامَهم أحلامُهم لكنّهم
لا يزالون يسيرون ولم ينتبهوا
أن خيط النور يغويهم إلى أرض الرمالْ
كم يحنون إلى برد لياليهم وهم
يتهادون عطاشاً
بين رمضاء التلالْ
لا صدى ..
عرق الصبار يسقيهم معانيه
( ولا معنى لما يمكن أن يوصف بالمعنى )
هم المعنى / السرابُ .
في سبيل الشمس ..... ذابوا
أيّ صحراء طوتهم قبل أن
يبلغوا غايتهم
مهبط الشمس وتشييئ المحالْ خميس قلم صيف 2008

الحاسد زوج البخيلة

نص من التراث الوجعي إلى المناضل : مظفر النواب لو أني أملك من الأمر شيئا لنتفت ريش ذلك النمَام أولكسرت منقاره...لكن ربما كانت الريح هي من ثرثر له عني ..، ( لم تكد تتشكل خيوط الشك داخله حتى داهمه جبروت الصوت : - هيه .. صمتك هذا اعتراف يكفي لإدانتك - اعترف .. اعترف يامولاي أنني ضفدع غلبه نقيقه . - اصمت .. الضفادع قرابين المطر إياك أن تقرن بذاءاتك بتسبيحاتهن . تلك النصوص المبجلّة التي حقن بها أغرته أن لا يماكس أولي الأمر كان يحرث أرضه بثور أسود حالما بامرأة..امرأة فقط تقاسمه رغيفا ساخنا تبدى له في حبات العرق الجافلة من جبينه ؛ حين اخترق بساط الملك مجاله الجوّي توقف الثور ، ليس إجلالا لهيبة سليمان ولا رهبة من سلطانه ، ولا رغبة في علف الحياة الذي كان يطعمه إيّاه سنين حراثته لبحر الطلاسم ، إنما وفاء من ذاكرته لأيام البروتوكولات الآلية التي نشأ عليها في خدمته . ورث عن أبيه الحكم والنبوة .. ولم يقنع واستوى على محرابه داعيا فوهبه الله الريح أمة له والجن عبيدا ، ولم يقنع ، ثم قايضه الله/ تعلّم منطق البهائم بسلب شهوة البنين ..فآثر أن يصير أبتر . لم يكن الفلاح سعيدا حين رمى له سليمان, ثورا أسود لأنه كان يعلم أن لعنة غضبه ستلتصق به, أخرج من بحري مذموما.. لم تثمر حراثتك سوى الهباء " تحرك .. تحرك لقد مضى الـ.... " كان يبصر في مراياه الداخلية حقيقة ما ادعّاه .. أليس من االحسد أن يطلب ملكا لاينبغي لأحد غيره , أليست زوجته بخيلة حين كشفت عن ساقيها خوف أن تتلف ملابسها لجة الماء . وفي اليوم الموعود, نفث من صدره كلّ غلٍٍ على الهدهد أو الريح, وأخذ يرجو الغفران من الملك وضفادعه " الرحمة.الرحمة. .. إلا أن تحشر أحلامي في قمقم ... ".
... وعاد رأسه ثقيل حتى الانتكاس.. ممتلئ بأرض وامرأة يفكر كيف سيحرثهما .

27 مايو 2009

المرثية الأخيرة

المـرثيــة الأخــيرة

أربو كأيامي، بلا معنى

بلا خجلٍ من الآتي

ولا ندمٍ من الماضي

وذاكرتي الخرابُ.

أنا آكِلُ الأثداءِ، مصاصُ الدماءِ

سليلُ آلهة الحروبِ

أنا الضياعُ، أنا العذابُ.

وطني القبور، على شواهدها

مجدي

وتحت ترابها عرشي

وأوسمتي الجماجمُ والعظامُ.

جُندي الجرادُ

أبُثّها في خضرة الأيامِ

والغربان من رسلي

وآثاري رمادٌ وانتقامُ.

في النار في الإعصارِ

في العنب اللذيذِ

وفي الحديد، وكلِّ شيءٍ

كامنٌ بطشي

وأنفذ من مسام الوقتِ

أخطف مَن أشاءُ

بمخلبيّ

ولا أنامُ.

ضاقت سماءٌ عن معانيها

فجاءت بي

لأزرع في قلوب الأمهاتِ

وساوسَ الليلِ الثقيلةَ

أو لأحصدَ خيبة الأحلامِ

من أطفالهنّ..

وجئتكم

أنتم طرائد أسهمي

وأنا، أنا قوسُ المشيئةِ

ما لكم عني حجابُ.

وحدي انتزعتُ

بقسوتي

من تربة الأرضِ الجبانةِ

قبضةً

لتكون لحماً راكباً في ظهرها،

وعلى مناكبها

هو الإنسانُ نابُ.

يا لابسي الأكفانَ

فخري أنني غيبتُكُمْ

عن جوعكمْ

عن جهلكمْ

عن خوفكمْ

عن حزنكمْ

أدخلتكم بوابة النسيانِ

فالتمسوا لأنفسكم

خلوداً زائفاً

فيما يغادركم من الأسماءِ والأشياءِ

إنّ مصيركم عندي ظلامُ.

والآن أجثو باكياً

وحدي أمام اللهِ:

أتممت المهمة "

أيها الجبارُ

لكنْ

كلّ مَنْ غيّبتهم في الأرض

قد حضروا هنا

وعيونهم نحوي ضباعٌ

أيها الجبارُ..

آبُ

الآن أُذبحُ

بين نارِ الإثمِ والفردوسِ

من غيبتهم حضروا هنا

وأنا الغيابُ

أنا الغيابُ

أنا ا ل غ ي ا بُ

خميس قلم