28 أبريل 2010

ملحق "نون" يصدر عدد خاص بمناسبة اليوم العالمي للكتاب 24 ابريل بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس، سيكون من ضمن مواده استطلاع رأي كتاب عمان عن علاقتهم بالكتاب. السؤال: ما هي علاقتك مع الكتاب وكيف تكونت وشكلت هويتك الثقافية ورؤيتك للأشياء من حولك؟ الإجابة: الاحتفاء بالكتاب " في البدء كانت الكلمة " وكان لابد أن يحتويها كتاب، " وكان لا بد بعد ذلك أن تـُعرف فنزل الأمر الغيبي " إقرأ "، فمنذ الألواح الأولى والإنسان يبحث عن سر الأسرار بين متون الكتب والأسفار، حتى " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به". يتمظهر في وجوده بصور شتى، حجارة، جلودا، عظاما، جريد نخل، لفائف بردى، أوراقا مصقولة حتى أصبح الكتاب رموزاً افتراضية تقرأها الشاشات قبلنا،في كلّ تلك الأطوار كان الكتاب يحمل عبره الأفكار والمشاعر الأحداث والتجارب، بل يحمل في الحقيقة روح كاتبه في لحظة إبداعه، نحن الكتب التي قرأناها، الأرواح التي تحلق حولنا نحن. بدأت علاقتي مع الكتاب حين بدأت أتهجى الوجوه وأحفظ أزقة حارة الطفولة الضيقة، يرسلني والدي لأدعو " المعلم سليمان " إلى منزلنا، كان الرجل مصاباً بعاهتين: العمى والعرج،ومعوّضاً بنعمتين: صبر البعير وذاكرته، هراوته في يمناه ويدي الصغيرة ممسكة بيسراه يقودني بعيداً عن حفر الطريق وحين نصل إلى حيث ينتظرنا والدي بتمره وقهوته يأمرني بإحضار الكتاب الذي شرعت في قراءته عليهم أمس، أباشر القراءة بينما يباشر والدي إكرام المدعو بالقهوة والكلام، يقاطعني بين جملة وأخرى مصححا ومعلقاً وشارحا، وأثناء ذلك يسرد قصص طريفة عن أحد الأنبياء أو الصحابة أو الأئمة الصالحين محاوراً ضيفه وشاكياً له من بخل الزمان الذي لم يعد ينجب كأولئك الرجال. أحياناً تشدني القصص وأستمتع بقراءة الأشعار لكن كثيرا ما كنت أتململ من الأحاديث المكرورة خصوصاً حين أستمع لصياح أترابي وهم يلعبون في الأزقة. تلك الكتب التي كان معظمها يصب في قناة الدين شكّلت الارتباط الأول بالكتاب، وبها عرفت منطلقات الفكر الإسلامي وجزءا مهماً من تاريخه وفق الرؤية المذهبية التي كانت تعبر عنها تلك الكتب. وفي فترة المراهقة شغلتني عوالم المغامرة في روايات الجيب والروايات البوليسية التي كان يجلبها معه أحد أقاربي وهو عائد من دراسته بمصر، كان لتلك الروايات دور في إشباع خيالي، كما استفدت من المعلومات والمعارف التي تستعرضها مجلات المراهقين " ماجد، أحمد، مشاعل " المرحلة الأهم في علاقتي بالكتاب تجلّت في سني دراستي بالجامعة، حرضتني نقاشات الزملاء في جماعة الخليل على الإطلاع على كتب الأدب قديمه وحديثه، وحرضتني كتب الأدب على قراءة التاريخ والأسطورة وعلم النفس والفلسفة، كل دكتور أو صديق يدفعك إلى كتاب، وكل كتاب يجرك لآخر، الجامعة كانت شبكة من المعرفة والبحث والدهشة، ألتقي في ممراتها بصديق كعوض اللويهي يحمل نخبة من الكتب، يبدأ بتعريفي بها كأنّه يعرف بصديق لصديق، حتماً سنلتقي يا صديقي الكتاب. كالبشر هي الكتب لأنها تحمل أرواحهم بعضها يبكي و الآخر يضحك، بعضها يخون وبعضها يضل وفيا ونقيا في الذاكرة.

17 أبريل 2010

مازال تسكنه الخيام

"عندما أرجع بالشمس
إلى أمي
سألقيها عليها
علها ترتد من بعدُ
شبابا
وأنا أرتدُّ طفلا
في يديها.." .
.
ونحن أيها الشاعر المتمرد على سطور الخيام.. الساكن بين خيوطها ،، علنا يوما إذا قرأناكَ.. قرأنا الصحراء في غبة كون.. أو كأننا.. ** ** افتتاحية مهداةٌ إليها .. إلى الكون المخلوق على هيئة ( أم ) يستقبلنا ضوء يتسلل من بين خيوط الخيام للشاعر العماني / الإماراتي الشاب خميس قلم... الذي افتتح مشواره الأزلي / الأبدي الشعري في باقة ديوانه الأول ( مازال تسكنه الخيام) الصادر عن دار الانتشار العربي – بيروت لبنان ، إذ يتسطر في قصائده وهج بدوي خالص الفضة /عميق النبع / أصيل النياق.. فكأن أوتاد الخيام تتشبث بنا في تربتنا الصحراوية المتفككة .. تماما كقبائلنا المتفككة.. وكأنه حين يمارس طقوس البدوي يرتقي بنا أسما من شموخ النخيل.. وأجذر من جموح الصهيل.. إلى حداثية واضحة كبناياتنا الشاهقة .. التي يسكنها أناس لم يذوقوا طعم التمدن إلا أياما معدودة.. فهو هنا في حداثيته الأصيلة.. تسكنه خيامٌ نسجتها أمهاتنا من حرير الماضي.. لتعلق في قلوبنا ونحن في بروجنا المشيدة.. وفي دخولنا للديوان.. يصدمنا (الخروج) .. إذ يبدأ الدخول بقصيدة ( خروج) وهو ذكاء شاعر يلهمه حدسه أن ثمة من سيفهم معنى الخروج في بوابة الدخول.. تماما كما خرجت أعرابنا من بوابة الدخول........... خا رجين ( خا سرين) ! ثم تأتي القصائد (نحن – عشبة الذاكرة – بوذا – انتظار – غضبة الصحراء.. ناي البدوي الغواص – في القلب متسع – حزينة – المرجو – غياب – قرابين – من سيرة مجنون الرمضاء " بكائية / حلم / من ماء الروح / التي في عبادتها / كما شاءت النرجسات" ) وكما يشاء هو أن يمزجنا برائحة رطوبة البحر وجفاف الصحراء وحداثية الشكل الشعري، فإنه يسطر لنا واقعا نعيشه في أعماقنا لا ينسلخ عنا في حداثية المظهر .. وتقليدية التكوين.. مازال تسكنه الخيام.. الديوان الأول للشاعر ( خميس قلم) صوت من أعماق عمان.. يصرخ في قلوبنا... أين نحن في الحقيقة؟ عناقيد الأدب/ العدد
بقلم الكاتب : عناقيد

12 أبريل 2010

على الأعراف

يا لغربة الروح في هذا المكان الملتبس !

لا إلى هؤلاء و لا إلى أولئك

( البريمي ) مطهر الشاعر المعلّق
بين فردوس الحبّ وجحيم الحنين
استجواب
وراء الشمس سحبوه
و كلما نزعوا أظافره
تنموا مرةً أخرى وبشراسةٍ أكبر
فتّشوا في لثته عن أسنانٍ ليكسروها

وحينما لم يجدوا
فتحوا خبيل القلب باباً .. باباً
أمّموا قناني حلمه..
أمامه، دلقوا ماء الروح
حسرةً .. حسرة
و هو من عطشٍ إليها
كان يموت:
قطرةً .. قطرة
شجرة النار
" أحْــــرُقْــها ... "
أبوفيصل

قرر أن يحرق الجنّة
ليقضي على قطيع الجرذان
و الجراد المعرّش في خضرتها
أشعل سيجارته الأخيرة
ومشى إليها يبشّر بالخراب وقيامة النار..
غافلته يدٌ ..
كان صدى صرخةٍ يتردد
وهو يسقط من حافــّة الحلم
إلى قرار هوةٍ سحيقة ..
صرخة المغدووور
المسوخ الرابضة في جحور الظلام
تكالبت عليه
تناهشته
كما ضباعٍ جائعة.
من بقايا رماد سيجارته ودمائه
نبتت شجرةٌ
سيأكل من ثمرها – فيما بعد –
فتىً يقال له:
نيرووون".
عيون
العيون التي تخترق
بحديد نظرها الجدران
تعدل المثل الأعلى
ليصبح
(للجدران آذان وعيون)

أيتها العيون
إني أفقؤك بأصابعي
تكحلي بنا
لتبصري كيف نجمع الفقر
في علب الصفيح القابله للضغط
تكحلي بنا
لتبصرينا كيف نخبيء
براميل النفط
تحت خشونة شراشفنا
كيف نتزاحم في الأرصفة
لنضايق عرق الكادحين
وبصاقهم
اغتراب

أصدقاء الاسماعلية
لا شيء يروي اغترابهم
سوى قنينة (جين)
وقصيدة ثملة بالوطن
سؤال
أتدرين يا حبيبتي
لماذا يتعرى الشعراء
أمام البحر؟

طمعا في أن يمنحهم
قميصه الأزرق
انتظار
شفتاي يشققهما الجفاف
أقضي الليلة أنتظر قصيدة رطبة..
القمر و أنا
نحرس هدوء القرية وأحلام الكادحين ..
متى ستطلين يا قطرة الندى؟
خروج
الغريب الذي ضاقت الصحراء
بأحلامه
رهن للرمضاء ناقته
وتعلق بجناح طائر فولاذي

بأي مشيئة أسكن الريح خيمته ؟
بأي ذنب أطعم لذئاب الغياب
ثغاء صباحاته؟
الغريب يكسر ناي ذاكرته برائحة التبغ
ويتدحرج على مساء مسفلت
صيد
الزمن.. ذلك الكائن الضخم
يهرب من كل الفخاخ
التي أنصبها له
يبدو أنني سأحتاج
إلى حيلة أكثر اتساعا
تأمّـل
إلى حمادي الهاشمي

ما أبهى أسماك المحيطِ
زاهيةً كأنها زهور الربيع !
يشوقني صمتها للقاعِ
بأدغاله المرجانيةِ الغامضة
وكائناته المخاتلة !
قد ضجرتُ بالهواءِ الثقيلِ من حولي
وسئمتُ ضوضاء البشر
أقف هنا
أمام بركة الأسماك الصغيرة
حاسداً إياها على عزلتها الآمنةِ
مشتعلاً بالحنين إلى ماء أصلي
أفكر فيك
وقناديل البحر تضيء مخيلتي
لم تأخرت أيها الشتاء؟
تحرر

لم أعد أخشى
أن أخلط
في طعامي
السمك باللبن
أنا الآن حر
أنا مصاب بالبرص
انهماك

فتشت كثيرا
في كلام الأسلاف
فلم أجد
حكمة توازي صمتهم
سقوط
من على قلبك
أسقط
لا تنقذيني
دعيني
أتكسر تحت قدميك
كجوزة يابسة

أحزان معتّقة

يباس
خمر تزرعك
قمراً
في سماء الصخب
موسيقى تسرق أحزانك
من الزمن
أرداف تراقص شهوتك
أنّى لك أن تصحب كل هذا اللهو إلى
سريرك اليابس ؟
في حضرة الشمس

خلف غلالة الغموض
تتجرد الشمس من صلفها
متشبهةً بنعومة البدر
خوخة كبيرة تنضج
في بطن البعيد هي الشمس
الضباب, الدخان والغبار
تلك الحجب التي تسدلها المسافة
بيني وبين الشمس لم تستطع أن تغير
من حقيقتها النارية
كل صباح تبخر الشمس أحلامي
توقظ الحياة داخلي ..
وكائنات المسافة تتنبّه
وحدها عيون الشارع تشرع بالانطفاء الشمس تتلصص على شرودي
تتنصنت إلى موسيقى وحدتي
وتشي بي لأزهار لن أشم ذبولها
تندس الشمس في جيب الأفق
بين الأشجار تظهر تختفي
كطفلة تلاعبني الغميضة
تتواطؤ معي الشمس
تهيؤ لي ظلال السيارات
لأدوسها
حين أتجاوزها بجنوني
أرق
أفكر أن لا أفكر
أو أتذكر حزني
أصفـّي دمي من كلامٍ
تخمـّر في جرة الوقتِ
للآخرين فمٌ، لا تعبـّر عنّي

أكون أنا،عالقاً في المرايا
أكون هناك .. أكون هنا
وانعكاسي ظلال الخطايا..
أكون بما بصـّرتني به هبة الشعر
كـَوْني
مداد المعاني الذي سفحته
القوارير لوْني
وسرّي نداءٌ من الغيبِ
( يأخذني للبعيد، إلى ما وراء السماواتِ
حيث المكان مليء بلا شيءَ
حيث الزمان فراغُ )
نداءٌ يدربني للجنونِ
ضلالٌ/ إلهٌ
يقول
لأبنائه: اُصلبوني
خرابٌ/ بلادٌ
تقول لأحفادها: اِحملوني
أفكـّر أن لا أفكر
أو أتذكر حزني
أفتش عمّا أقول، وكيف أقول
و لا لغةٌ تحتوي ما يمور
بذهني
أفكر في النرجسة
فتاةٌ يفوح بأهدابها الحبّ والغطرسة
تكابر أيامها
وتسير بفائض درّاقها
نحو هاوية الغيب مستأنسة
أفكر أن لا أفكر
في خفقان فؤادي:
رهيفٌ، شفيفٌ، عطوفٌ، شغوفٌ، ألوفٌ
يسبح باسمك يا قـِبلتي وبلادي
أفكر في خفقان فؤادي.
أفكر في أصل مائي
أجئت من الملح؟
من أي بحر إذن؟
وكيف انتهيت كحفرية
في رمال الصحاري؟
وأين سيحملني عنفواني؟
وماذا عليّ؟ وماذا لديّ؟
وهل؟ مَن؟ متى؟
لوّحتني المسافةُ
والوقت دائي.
أفكر أن لا أفكر
في أصل مائي. أفكر أن لا أفكر
في الأصدقاءْ
رفاقٌ يدسّون أحلامهم
في غيوم السجائرِ
يستعذبون النبيذ اللذيذَ
ويعطون ما يملكون لعابرةٍ
ليس في وسعهم غير أقلامهم
يكتبون نبوءاتهم لغدٍ لا يجيء
ويمضون في حزنهم
وحذاؤهم الكبرياءْ
أفكر
في الأصدقاءْ.
أفكر
في الحقلِ، في النملِ، في النسلِ
فيما فعلت وما سوف أفعلُ
فيمن يربي الحنين ومن يذبحون الحمامْ
أفكر..
أحصي خراف الظلامْ
لعلّي
لعلـّي أنامْ.
رجاء
قد أكون بلا أي معنى
ولكنني ......صامتا
أتباهى بحزني
فلا تزعجيني رجاءً
دعيني
دعيني أفكر فيكِ
ثرثرة

تقول مراهقةٌ في الكتابة:
أعرف أنك لن تتذكرني
بعد أن تصمت الخمر في شفتيك
خلق

من رمادٍ ودمْ
وتناسل فينا العدمْ
صدفةً
نبت الحلمُ كالعشبِ بين صخور الجبلْ
حطّم المستحيلَ
تجذّر في صمتهِ
يرتوي من سرابِ الأزلْ
هكذا
من لهاث الوداعةِ جئنا
ومن عثرات الهربْ
من دسائسِ أنثى، وغضْبةِ ربّْ
التناقض جوهرنا
الصواعقُ آلةُ تكويننا
وعناصرنا:
الحبُّ، والكرهُ حدّ الألمْ
واشتهاء المدى
والندمْ
قهوة
إلى وسيم أبو فاشة
بيننا قهوة يا وسيمْ
قهوةٌ ما تزال معلّقةً في حبال المواعيدْ
هل نسير إلى نار أحزانها في السديمْ
أم ستأتي إلى برد أيامنا
خمرةً خلصت روحها من دماءِ العناقيدْ
جسد
إلى: أفراح
جسد يتكلمْ
يتحدث كل اللغاتِ
و يتقن فن الحوارِ
و لا يتعلثمْ
جسدٌ يتقصّى منابتَهُ
سارداً سيرة الماء و الطينِ
يخضرّ حباً
و تـُزهر أحلامُه في ربيع القلوبِ
و تنمو فواكهُهُ
جسدٌ ناضجٌ، راغبٌ في القطافِ
يقول لشاعرهِ:
كيف لم تختبرْ طعمَ توتي

و من رعشةِ الخصرِ لم تتعلمْ ؟!

كلّما ابتعد البحر
إلى المكي الهمّامي في عزلة الجنوب
" اللاقِـميْ "
شرابٌ عصِيْ
دمُ النخلِ، يبيضُّ من فرطِ عزلتهِ
عرقُ البسطاءْ
رحيقُ القرى
كـلّما ابتعد البحرُ عنهُ
يبوحُ بأسرارهِ للجبالِ
يقول لها :
الجنوب أسى
والشمال هوى
فتحكي له سيرة الصخرِ :
ما فعل الحب بالورد حتى تحجّـرَ
يبكي
على وردةٍ دفنتْ عطرَها في الرمالِ
ويبكي
يجففُ أحزانه في المساءْ
يغيّـر أخلاقهُ ، اللبنُ السكّريْ
إلى عرقٍ لاذعٍ
ضاربٍ في بياض سماواته
ثائرٍ، حبرُه دمهُ
عاشقٍ، وحبيبتُه تمْـرة كثـّفت ماءَ سُكّرِها
في يديهِ
يُضيءُ عروقَ الليالي ببسمتهِ
ثم يمشي نبياً إلى حلمهِ
ليخففَ أوجاعَ من عبدوا امرأةً
لن تكونْ
يـُطببُ أحزانَهم قبل أن يدفنوا وهمهم
في رمال الجنونْ