26 يناير 2013


المتسوّل

يطلُبُ من أمّه حليب النسيان
يطلب من الآخرين أحلامهم، ليسرقها
يطلب من الديوان بيتاً و بشتاً
يطلب من ندمائه أن لا يكونوا مخبرين
يطلب من عشيقته التعقّل والتصبّر
يطلب من زوجته الوفاء
يطلب من أطفاله أن لا يشبهوه
يطلب من الشعر رصاصة الرحمة
يطلب من الله إشارةً، علّه يتوب
يطلب من نفسه: أن لا تطلب

                                      المعتصمون

و أنا جالسٌ إلى طاولةٍ مجاورةٍ لليل؛ شدّني صخبُ مجموعةٍ من الشباب   - يبدو أنهم يتعارفون حديثاً-  فأخذتُ أتسمّعُ إليهم:
-         أنا من المعتصمين في....
-          وأنا اعتصمت أمام.....
-         كنّا أول من......
-         نحن رفعنا لافتات طالبت بـ.....
-         ........ حضر معنا
-         أول مرّة أسمع عن ......
-         حاول الـ...... أن .......
-         بكينا من الفرح عندما......
-         صحيح، وسقط.........
-         ......... المطالب المعيشيّة
-         لما نزل المرسوم......
-         ......... في الباص مقيدين
-         .......... وقعونا تعهد
-         واجدين شكروني وقالوا ما قصرت
-         .....................
نعم، كنت أسترق السمع بتلذذ إلى حديثهم أو حنينهم الجارف. أليس عظيماً أن يعتصم الإنسان ولو بحبل الذاكرة؟؟؟؟

                               اعتذار

الأشواك التي يفرشونها في طريقكَ تُنبئُ بألمهم.. يتألمون متقلبين على جمر الغيظ..
يبدو أنّ ما فعلته بهم ليس هيّناً، ليس هيّناً أبداً ما فعلته بهم..
كنتَ تتصرّفُ بغريزة الشعراء.. تمدّ يدكإلى الفقراء، وقلبك إلى البلاد..
ولم تقصد أبداً، أبداً لم تقصد أن يكون قلمك إبرةً منغرسةً
منغرسةً في الحبل الشوكيّ للفساد.

إرادة الأرض

ظلّت ترفض كلّ شابّ يعرض عليها عضوه، ( أعتذر عن المباشرة، سأستخدم لغة أكثر مجازاً وتهذيباً)، ظلّت ترفض كلّ شاب يتقدم لخطبتها، فقلبها متعلّق بذكرى بعيدة، لحبيب بعيد، وهي لم تكن لتخون حبّه الفيّاض الذي لم يعد يفيض، هو فقط حبّها، الحضن الدافئ.. هو .. مطرُ القبلات.. مُدلّلها، و دليلها إلى كلّ شيء.. " ماذا فعلتُ حتى يتركني و يذهب؟" تركها أثناء مظاهرة عن حقوق المرأة .. لأول مرّة تشارك في مظاهرة.. أفلت يدها و هرب،  هرب في الأرض، وهي منذ تلك الحادثة تتتبّعُ المظاهرات وتخالط المتظاهرين باحثةً عن يده.
سنوات من تخلّيه عنها و حواسّها ما زالت متشبثةً بوهم وجوده معها.. كلّ ليلة.. تكبر.. تحكي له قصصها الناعسة عن صويحباتها: ما أفرحها و أغضبها منهنّ.. كلّ ليلة.. يبتسم.. يقبلّها .. يضمّها هامساً: لا تكبري.
لم تفهم لماذا تركها.. و لا تريد أن تفهم.
نضارة شخصيتها تسببت لها باجتذاب معجبين من زملاء الكليّة.. كليّة الحقوق. اختارت دراسة القانون لأنّ حبيبها الذي غادرها  كان يردد دائماً: " العدالة عمياء، والقانون عصاها ". غادرها، و الأرض أعطتها بدلاً عنه محبين كُثر، كلٌّ يعرض خدماته: مشاريعه المستقبليّة.. عائلته.. شعره.. هداياه.. قناعاته بحقوق المرأة.. حبّه.
قلبها مملوءٌ بحسرة ِ فراقه..على حين غرّة هجرها.. لم تفهم لماذا.. ولا يهمّها أن تفهم.. يهمّها أن يكون معها اليوم حين ترتدي قبّعة التخرج.. وحولها محبوها.. يبكون فرحاً.. وهي ملتاعةً تبكي: " أيتها الأرض خذي كلّ هؤلاء المحبين، و أعيدي لي أبي".

أين تمضي بنا يا قطار؟


-    لماذا تكتب يا " خميس قلم " في " تويتر" عبارة : " أين تمضي بنا يا قطارُ "، ولا يوجد قطار في بلادنا الموقّرة؟  أليس هذا     تزييفاً للحقائق؟
-    على الإطلاق، بل يوجد قطارٌ نفطيٌّ أسود ومترهل، أنت أعني ( سيادتك ) تجلس في المقطورة الثالثة منه، مقطورة التملُّق والتألّق، أمّا البائسون و اليائسون فأراهم واقفين في المقطورات الأخيرة، مقطورات الحرمان والضياع والخذلان...
-    و من يكون في المقطورة الأولى؟
-    ليست مقطورة بل قاطرة و لا أستطيع أن أتحدث عنها بالذات، لأني مصاب بتخمةٍ، جرّاء الإفراط في تعاطي السياسة..
-    ولاشك يا قلم أنك تصنّف نفسك من ركّاب المقطورات الأخيرة؟
-    قطعاً لا، المقطورات الأخيرة مزدحمة، ركّابها واقفون، وهم عرضة لشُبهة التجمعر، ( التجمعر منحوتة من تجمّع، و تجمهر)، كما أنّي أحبّ المشي ( الذي أمسى الآن رياضة )، لذلك أسير على قدميّ بمحاذاة القطار، ناظراً إليه بعين الحسرة..
-    لكنك ماشياً ستتأخر عن مشوارك، فاركب معنا ..اركب معي..
-    ههههههه، يا مسكين، إنّ أيّ سلحفاةٍ  حتماً ستسبق هذا القطار المعطّل.