16 يونيو 2009

قراءة: حسين الجفال /عكاظ /01/ فبراير/2007 العدد : 2055

"إلى أمي" و "خروج"
قصيدتان تشتبكان بأسطورة الحياة الخالدة
في الديوان الشعري الذي كتبه الشاعر الشاب / خميس قلم والذي انساب بحرية من مطبعة الانتشار العربي في طبعته الأولى عام 2006م كتب الشاعر قصيدة قصيرة جدا تحت عنوان " إلى أمي" حيث تصدرت الصفحة السابعة وقد جاءت في سبعة أسطر فقط. " إلى أمي " عندما أرجع بالشمس إلى أمي سألقيها عليها علّها ترتد من بعد شبابا وأنا ارتدّ طفلا في يديها قد يعتقد القارئ بأن هذه القصيدة لا تعادل هذا العطاء المتجدد لأمنا الخالدة في سطور الزمن !! وقد نعتقد نحن للوهلة الأولى بأن ذلك صحيحا إذ كيف يحجم عطاء الأم إلى هذه الدرجة حتى يأتي كل عطائها حافلا في سبعة أسطر فقط!!! تعكس القصيدة بؤرة بصرية هامة تمتد في أعماقها إلى سنوات طوال حيث تلازمت الأسطورة بالخلود الإنساني إنها نظرية طائر الفينيق الأسطوري الذي سرعان ما يبعث للحياة بشكل متجدد عند بزوغ فجر جديد من سطوع شمس الصباح هذه الأشعة الضوئية التي تعيد لهذا الطير الأسطوري حياته من جديد قد أصبحت لها وظيفة أخرى هي وظيفة مشابهة لتلك الأسطورة ، فهي مبعث كل الجمال والبهاء ، الشباب والطفولة. الأسطورة بلا شك هي على مزاج مختلف ومتضارب ومتعارض مع الفناء والرماد والركام !! هذه صفات لا يعرفها طائر الفينيق نفسه ، الذي اعتاد على لملمة أجزائه ، وإعادة تركيبها مرة ثانية على ضوء الشمس الساطع في أجواء الحياة. إنها حبكة فنية عالية ارتبطت بهذه الأسطورة كي تخلد الأم وتخلد الابن في آن واحد ، الكل يعود إلى أحضان شبابه وطفولته ، المسألة هنا تتجرد عن العقل بكل انحرافاته في مجرى الأحداث ، فالأسطورة هنا خلود ، ولكن في أحضان مشاعر بدائية بيتوتية لم يقصد منها الشاعر أبدا مناهضة الموت والشيخوخة على شاكلة الذي يتصدي للرياح العاتية القادمة من كل مكان كي يصطرع معها في الميدان!!! هكذا نرى الصورة الحسية متجسدة من خلال علة تهوى الشباب والطفولة معا . لا شك أنها أمنية تقف عند حدود الزمن الماضي ، نشم من خلال عنفوانها المتصل بما لا يطاق تحقيقه !! فهل بإمكان أحد أن يرجع بالشمس إلى أمه؟ إن توظيف الأسطورة هنا بدلالة رمزية تشي بالعلاقة ما بين الشمس وإعادة بعث الحياة إلى الأم وإلى الطفولة في آن واحد تبدو في غاية الرومانسية المجردة من عناصر قوتها والتي لا تساعد إلى تلازم الأمنية بالشباب ولا بالطفولة على مستوى التمنيات والأمل المنشود. كما يصرخ المتعب من عناء الكهولة بـ ليتني كنت شبابا ، حينما صدح الشاعر أبو العتاهية قائلا : ألا ليت الشبـاب يعـود يومـاً فأخبره بما فعل الـمـشـيبُ حالة من الضعف لا يمكن استرداد القوة من خلالها بالاعتماد على زمن العنفوان والطفولة والشباب. هكذا هو حال المتكلم الذي شخصه الشاعر هنا في قصيدته هذه. سبعة من الأسطر حافلة بكل العنفوان المجرد من وسائل أسلحته للعودة إلى الحياة ، إنها أمنية مستحيلة بأدوات شبه ميتة لم يحالفها الرمز الأسطوري على بناء مستقبلها في عالم فقد مقوماته من أجل الحياة. ما مدى التصاق الشمس بالحياة ؟ في حالة كهذه يبدو أن الشاعر يرسم لنا قدرا مأساويا لا فكاك منه ، فلا الشمس قادرة على بعث الشباب في الأم ، ولا الشمس قادرة بنفس المقدار أن تعيدنا إلى مرتع طفولتنا الخالدة … إنها لوحة ساخرة من الزمن ناقمة عليه ، عاجزة عن تغيير موازنات القوة فيه. وبعد هذه الحيرة تأتي قصيدة "خروج" كي تلملم بعضا من هذا الشتات المعنوي !! فلا الشمس قادرة على بعث الحياة في أم لا تكابر ، وليس للنور قدرة على بعث الشباب في أم لا تكرس أثداءها لإرضاع ثائر ، هذه هي طبيعة الأم التي تكابر على ألمها وعلى حياتها المذلة ، إنها مصدر الثورة في كل مكان كما كانت مصدر النماء والخصب!! وبعد أن أظهر لنا الشاعر في قصيدته الأولى لوحة فنية سوداوية تشي بالكثير من السخرية ، كما تشي بعلاقة سلبية بين أسطورة الخلود والبعث من جهة وأسطورة الشباب والطفولة من جهة أخرى .. جاء هنا لكي يرسم لنا معالم حياة جديدة .. فهو خارج هذه الذات الكسيرة التي عكست لنا كل سوداوية المجتمع الذي تعيش فيه. الطائر هنا يشي بالكثير من التمرد ، حيث حدد معالم الصراع الذي يحتدم في مجتمعه إنه صراع قبائل تتقصى تاريخها في الحياة ، وهو عربي يرفض بكل إباء وشمم أن يأكل لحم أخيه أو يتأفف في وجه أم تكابر!! النسوة هنا ذات طبيعة فولاذية ، يقتصر حليبها على الثائرين ، الذين يسعون بكل إباء وشمم إلى تسجيل هويتهم كطائر … فمن ترى هذا الطائر الذي تسعى هذه الشخصية المتحدثة إلى تسجيله في عالم الحياة!!؟؟؟ من قصيدة " خروج " لا وجود سوى للنساء اللواتي يكرّسن أثدائهنّ لإرضاع ثائر لهن اشتهاء النحيب ولي أن أقامر يموت : " ولا يأكل العربي بعينيه " لحم أخيه يموت ولا يتأفف في وجه أم تكابر للقبائل أن تتقصى تواريخها ولي أن أسجل : " طائر " ربما تكون مجرد إجابات مختصرة على قصيدته التي بدأ به ديوانه الشعري الذي يتكون من ثلاثة عشر قصيدة والذي جاء تحت عنوان " ما زال تسكنه الخيام". حسين الجفال Abcd02000@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق